تطرقنا في المقال السابق على التركيز على المنهج البحثي الكمي في العلوم الاجتماعية الذي أصبح يسيطر عليها. وذكرنا بعض أسباب هذا التركيز

دراسة مذهلة «جديدة» أكثر شمولاً وتعمقاً»،  بنتائج «قيمة» أيضا مرة جديدة، والمسألة نفسها.

في مقالة منشورة في مجلة «الرائد في علم النفس» (Frontiers in Psychology)، التي تُعنوِن على صفحتها على الإنترنت: أنها المجلة العلمية الأكثر ذكراً ومرجعية في علم النفس متعددة المجالات (Multidisciplinary)، في إصدارها الشهر الماضي(تشرين الثاني)، بعنوان “مطاردة قوس قزح، الطبيعة غير الواعية للوجود”، للكاتبين دفيفيد أوكلاي (جامعة كلية لندن_ المملكة المتحدة) و بيتر هاليغان (جامعة كارديف_ المملكة المتحدة)، يناقش الكاتبان طبيعة الوعي ومنشأه، وظفيته وموقعه الاجتماعي وعلاقته بالإرادة والمسؤولية الفردية.

في حركة التاريخ الجيبية صعوداً وهبوطاً محكومة بالدرجة الأولى بعوامل اقتصادية، فالنصف الأول من القرن العشرين، كان فترة صعود واضحة في حركة التحرر الوطني من الاستعمار القديم، ونهوض الحركات السياسية في أنحاء العالم كلها وبروز  الحركة الشعبية، وما رافق  ذلك من صعود الإنتاج الثقافي في العالم، في السينما والرواية والشعر، والقصة.. عكست النزعة الانسانية، وارتفاع درجة الشعور بالأمل في الوعي البشري، بأن الواقع المرير ليس قدراً لا يمكن الخلاص منه، بل هو وضع مؤقت، يمكن من خلال عمل البشرية جمعاء الخروج منه، بالطرق التي رآها من عاش في النصف الأول من القرن العشرين وما تلاه من ستينات القرن الماضي، يبرر ذاك الانزياح كون التغيرات على مستوى البناء الفوقي تملك نوعاً من الاستقلال النسبي المحدود عما يحدث في البنية التحتية المتمثلة في الاقتصاد.

بعد تحول المعاناة المعنوية (النفسية) إلى معاناة شعبية عامة في المجتمعات بشكل عام، خلال التطور التاريخي الحاصل خلال المنتصف الثاني من القرن الماضي، فلم تعد محصورة بالطبقات الميسورة كما ظهرت في بداية القرن العشرين.

نعرف أن العلم علمان: علم مطبوع وعلم مسموع، ونعلم جيداً أن العلم المطبوع هو أثبت من المسموع، لذلك نلفت انتباه أصحاب الشأن في التربية وأصحاب الخبرة والمعرفة المختصة بعلم النفس الاجتماعي -كون ملاك التربية والتعليم هو الموطن الحساس والدقيق في غزو الأوطان فكرياً وخلقياً- أن مناهج اللغة الإنكليزية مليئة بالأفكار الغريبة عن مجتمعنا وأخلاقنا وقيمنا، وهي غالباً ما تدغدغ أجيالنا بالأفكار التي تدفع بمتلقيها وراء أهوائهم الشخصية القاتلة.

غريبٌ كم يبدو المكان كمصيدة أحياناً. لسببٍ غامضٍ وجدتُ نفسي أقضي جلَّ وقتي في سياتل، متردداً بين أمكنةٍ ثلاثة: سينماتيك «الوهم العظيم»، وحانة «القمر الأزرق»، ومقهى «المخرج الأخير».